السبت، 20 يوليو 2024


*** مرايا الذاكرة  ***

النادي الملكي للأدب والسلام 

*** مرايا الذاكرة ***

بقلم الشاعرة المتألقة: فوزية الخطاب 

*** مرايا الذاكرة  ***

تسوق سيارتها بسرعة جنونية، تتجه للمجهول، خيالات تطاردها، أصوات كثيرة ترتفع في داخلها، تتراى لها  صور الألم من الألم و الحزن ...ضغطت على الفرامل، لم تعد تهتم، تريد وضع حداً لحياتها... تلك الأحداث تنخر ذاكرتها وتترك ندوبا 

لا تندمل، تزيد السرعة، العداد يكاد ينفجر وهي غير آبهة للأمر، ما أسوأها من ذاكرة تعيد الأحداث!!، تخيلته يقف أمامها يخاطبها بنفس القسوة والغلظة: 

"تهربين تفرين' وهو يقهقه، أنا أسكن داخلك أينما حللت وارتحلت ستجدينني، أطاردك ..' صرخت بأعلى صوتها:

 -ابتعد أيها الوقح القذر، ولولا لطف الأقدار لاصطدمت بشاحنة كبيرة وكانت في عداد الأموات ،خفظت السرعة وتوقفت في أقرب باحة استراحة... غسلت  وجهها، تأملته  في المرآة وصوت بداخلها يقول :

لا تخافي اطمئني....جلست ترتشف كوب قهوة وتدعو الله أن يرفع عنها البلاء والهم،  أخرجت هاتفها، لتجد عدداً من الرسائل، لم تأبه لها فقط نظرت لرسائل طبيبها المعالج، (مرحبا زهراء اتصلت أكثر من مرة ولا مجيب، فقط أردت تذكيرك بالدواء، وألا تنسيه، تناوليه لكي تشفي.. لم تكمل القراءة... أغلقت الهاتف

- إلى متى سأتناول هذا السم؟! وكلما توقفت عادت الأوهام والتهيؤات، لا لن أفعل...!!

- صباح الخير سيدتي (وقفت أمامها طفلة صغيرة تشبه ابنتها المتوفاة إلى حد كبير)

صعقت عند رؤيتها ،احضنتها بين ذراعيها 

- حبيبتي عدت إلي؟! أنا قادمة إليك، قررت، ولن أعود عن قراري! سئمت الحياة ومشاكلها وهمومها...

- ماما توقفي أنت تؤذينني، يجب ان تستقيظي، أنا رحلت ولن أعود، أخرجيني من ذاكرتك رجاء، اتركي حقي، سآخذع  عند لقاء رب العالمين يوم الحساب.

- حبيبتي كيف أعيش بدونك ؟ كيف أنسى ما تسبب به غدر البشر ، إساءة والدك، كيف كان يعذبنا ويتلذذ بذلك؟ كيف انهال علينا بالضرب حتى  لفظت أنفاسك بين ذراعي؟

- ماما انسي، امسحي ذاكرتك، قوي ايمانك، هذا قدري سأكون طائراً في الجنة، أنتظرك، أقبلي على الله، أحبيه، ابكي واصرخي. 

- فلدة كبدي أنا وحيدة جداً وذاك المعتوه يطاردني!

- ماما كيف يطاردك، وقد انتحر بعد رحلي، هو غير موجود هو هنا معي، أخرجيه من ذاكرتك، عودي لنفس المكان لتتاكدي، هيا ماما

- حبيبتي وانت؟

- ماما انا غير موجودة انا في ذاكرتك فقط ...وداعاً ماما.

- لا تفعلي... قفزت من مكانها وهي تبكي حبيبتي لا ترحلي.

انتبه الناس لتصرفها...تجمعوا حولها... يهدؤون من روعها :

 ( قالت الطفلة بصوت مرتجف الصغيرة وقد اشتد خوفها )

-سيدتي لقد أوقعت محفظة نقودك !؟

-شكر حبيبتي، معذرة اخفتك،انت تشبهين ابنتي بلسم

-ردد الجميع : سيدتي ستكونين بخير .

_  نعم سأكون بخير.

عادت إلى دارها، إلى بؤرة الالم لتواجه نفسها والجروح وما تعكسه مرايا ذاكرتها،

عزمت وتوكلت، رحب بها جيرانها والتفوا حولها لمساعدتها... 

بعد سنوات غيرت المسكن وانشغلت بعملها داخل ملجأ الأيتام وهي ترى في واحد منهم ابنتها (بلسم).

بقلمي فوزية الخطاب 

28.04.2024

توثيق: وفاء بدارنة 



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق