السبت، 18 مايو 2024


أحياء في المقابر (قصة)

النادي الملكي للأدب والسلام 

أحياء في المقابر (قصة)

بقلم الشاعرة المتألقة: امية الفرارجي 

أحياء في المقابر (قصة)

مابين وحشة القبر والخوف والرفات والتحلل والتعفن

عاشت جليلة ..هكذا سميتها فلا اسم لها..هنا لا أوراق ثبوتية ولا شهادات ميلاد ولاحتى شهادة دفن..

يعيشون بين الاموات ويأكلون بقايا الذبائح والموائد وربما أنعم عليهم أهل الموتي ببعض الثياب والنقود لا قيمة لها اللهم بعض الحلوى التى تراها عند دكان بعيد إن سمحوا لها ..

هكذا كانت ابنة الثامنة تعيش بلاروح ولا حياة ترعاها أم لاعمل لها الا غسل الموتى ثم سرقة الأكفان لإعادة استعمالها وتجيز ذلك بحجة الفقر والعوز وأب يحفر القبور ويفتحها وينتظر العطاء وقد أحنى العمر ظهره وعظامه وتقرحت يديه وقدماه العاريتين..

لا تعلم من الدنيا سوى محيط وسور المقبرة والمدينة ليست قريبة لا يصلون اليها الا بسيارة أو عربة يجرها حصان ..

أعوامها الثمانية كأيام وأيامها ثقيلة متباطئة فلم تعرف للطفولة والبراءة مذاق..

تسمع صوت السارقين والمعربدين وأهل السحر والمشعوذين ليلا يقومون بأعمال مريبة فتندس بين فخذي أمها وكأنها تريد العودة إلى أحشائها من جديد حيث الأمان.

لايعلم الميت باسباب حزن أهله ولكنه يتلقى كل من مات ويسأله عنه ويتفقده ..

لا يشعر بالوقت كأنه ساعة او بعض يوم..هكذا الموت مخيفا.

تحاصرها علامات الموت والشيب والهموم والمرض وانحناء الظهر وتغير الحال وموت الأحبة والميل للوحدة .

ليس السجين سجين الحبس او القبر وإنما من يعيش مع من لا يحب ولا يفهم.. ليتنا نخبر من حولنا مابداخلنا.

بقينا على قارعة الطريق ولم نقترب

نحن مجموعة من القصص والالحان والالوان

جلست وسط شواهد القبور محتضنة رأسها وقد انحبس الدمع في المقل وسكت الكلام وتعقدت أطرافها ..

تقول حي على الهمم أم حي على الهموم

وكأن من في القبور يخرجون رؤوسهم

ويشاطرونها الشتات والتيه.

كم لبثت على وضعها تنعى روحا فارقتها منذ عصور و آلاف السنين..

حيث انتصر التعب عليها ونصبغت به

تعب التاريخ معها.. فهل تعيره وسادتها الصخرية الوثيرة ليستريح..

كبرت جليلة وسط هذا الزخم والأجواء المشحونة برائحة اللاحياة.

اليوم أكملت الثامنة عشرة وليس لديها سوى بعض ذكرى من أمها التي ودعتها منذ ساعات وقبرها والدها ولم تتمكن حتى من وداعها.صدمة..

تسللت بغصة وقلق وكأنها تراجع مابقي من العمر بصمت  وتحلق في الجميع.

يجب الفرار والاسراع إلى الخارج والتفلت ..هكذا قالت لمن حولها .

ولم يسمعها سوى رجع الصوت.

(جابر) ذلك الشاب الذي كان يأتي من وقت لآخر يساعدهم ومعه عربة وسائق فليكن هو المنقذ..ألقت بما جمعته من روحها وامتطت نبضاتها وحلقت بعيدا معه لتبدأ الحياة..

ولكن ..مهلا ماذا تجيد من عمل ؟

وهي التي تجهل أشكال الحروف إلا (لحد ومقبرة وبعض الأرقام).

ستجد الطريق ممسكة يد هذا الشاب الذي عرض عليها حياة جميلة وكان الأكرم معها فقد شاركها غرفة صغيرة في مدخل إحدى البنايات وراح يعمل ويجتهد ليجد لها مخرجا.

لم تعرف الرجال فقلما تعاملت معهم وكم حذرتها أمها منهم ولم تعرف النساء أيضا ،ولكن عليها أن تتحرر من خوفها .

كم أوجعتنا أيها الزمن ونحن لا ندري إلى أين المسير ..

كان جابر هو الرجل الأول في حياتها بكل الصدق والبراءة والأمان ..

كانت الآمال أكبر من عقلها اللاواعي فانزلقت مع التيار وكلما صفعتها الحياة عادت إلى الأمان من جديد وكان بانتظار رجوعها .لا يلومها ولا يكيل لها الا الحب والوفاء .

يبدو أن الحياة لازالت تكشر عن أنيابها وتخبيء الأقدار أكثر مما تظهر.

جاءها الخبر بموت الأب وراحت لتقبره وإذا بكل شيء على عكس توقعها .

تغيرت المقابر وتبدل الحال وظهر لها ماكانت تجهله تماما ..

أموال مدفونة وبعض الحلي كانت تُعطى لهم ولا تعرف عنها شيئا أو هو كنز من العصور البائدة.

وبينما الكل منشغل بحمل جثث أهله وذويه راحت تجمع ماوجدت..

حملته في حقيبتها البالية وعادت لجابرها الذي أحبها بصدق .

ليتني مت قبل هذا ..هكذا قالت من ألم الفرح والسعادة..

أقبلت واذا بصمت جديد يستقبلها ليعيدها أدراجها إلى ماكانت فيه أو عليه إنه جابر يحتضر بعد حادث مروع ويطلب منها السماح ..كم أراد أن يكون لها زوجا وحبيبا ولكن داهمه الموت ليودعها ويطلب لها السعادة…

يبدو أننا نتفلت من قدر إلى قدر رغما عنا فيعيدنا الموت دوما..للبدايات المؤلمة ..

إنها الحياة 

لا تبقي لنا سوى بعض الذكريات 

و الدموع …وقصة قصيرة.

بقلمي..امية الفرارجي

توثيق: وفاء بدارنة 



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق