السبت، 9 سبتمبر 2023


*** قراءة نقدية لنص الاشتغال : ***

النادي الملكي للأدب والسلام 

*** قراءة نقدية لنص الاشتغال : ***

بقلم الشاعر المتألق: معروف 

*** قراءة نقدية لنص الاشتغال : ***

١- يا كِسفةَ الشمس

( الشمس شمسي والعراق عراقي)*١

فبأي حرف تزدهي أوراقي 

٢-وبأي قافيةٍ أصوغ قصيدتي ...

وأنا المعنى فيكَ دون رفاقي 

٣-يا دمعةَ العينين كيف أردّها ...

يا مرقدَ الأشراف جرحُك باقِ

٤-ناديتُ باسمكَ شاهداً وضحيةً...

وعلى الموائد محفلُ السراقِ 

٥- فتغانموا وتقاسموا وتخاصموا ...

وابنُ الأكارمِ مثخنٌ بوثاقِ

٦- أولاءِ جمَّعهُم دنيءُ خصالهم...

فتناسلوا كالدود في الأوراق

٧- وطغوا كما الطوفان من سيردّهُ ؟..

لنرى نهاية محنة الأخلاقِ

٨- يقسو علينا الدهر في حدثانه ...

فنضيعُ بين مودعٍ وملاقِ

٩-وأسائلُ الوطنَ الطهورَ ترابُهُ ...

هل أوصلوكَ محجةَ الإزهاقِ 

١٠- حتى رضيتَ بما أصابكَ من بلى...

ولعبتَ دورَ نطيحة بسباقِ 

١١- من يحصدُ الآلامَ حانَ قطافُها ...

من يكتوي غيري بجمرِ فراقِ

١٢- لله درُّ فوارسٍ مذ غادروا ....

قد أورثونا حرقةَ الأحداقِ

١٣- ما زلت أغرسُ في ثراكَ خطيئتي ...

في العشقِ رغم تزاحمِ العشاقِ

١٤- يا كسفةَ الشمسِ التي ما أشرَقَت ...

إلا ليبسمَ واسع الآفاقِ 

١٥- لك قد نذرتُ دمي وكلَّ جوارحي ....

وأنا أمَنّي النفسَ طولَ عناقِ

١٦- في أي حالٍ كنتَ ما زالَ الثرى ....

مسكاً يفوحُ بنكهة الترياقِ. 

----------

١* تضمين مطلع قصيدة الشاعر الكبير كريم العراقي

-------------------

١- أولا العنوان : ( يا كِسفة الشمس ) أسلوب نداء يحتوي على أداة النداء ( يا ) للقريب والبعيد ، والمنادى : ( كِسفةَ )  مضاف معرب منصوب بالفتحة ، الشمس: مضاف إليه مجرور لإتمام معني الكسفة..

فهي ( كسفة للشمس ) التي لم تشرق ، والغرض من هذا النداء (( التنبيه )) وفيه حزن شديد ، فالتنبيه على كسفة الشمس ، سواء الكسوف ظاهرة كونية طبيعية حقيقية معناها : ( احتجاب الشمس  وحجزها عن الرؤية ، ويحدث الكسوف الشمسي عندما يتحرك القمر بين الشمس والأرض، ويتسبب القمر في منع ضوء الشمس من الوصول إلى الأرض، ويلقي بظلاله على الأرض.. )، أو سواء هذا الكسوف شىء معنوي على وجه التشبيه والاستعارة والخيال من الخجل والحياء والإحراج واحمرار الوجه ،

والسؤال الذي يطرح نفسه الآن لماذا هذا الكسوف ؟؟

لماذا انكسفت الشمس ؟؟ لأنها رمز ( للحضارة والنور والهداية والدين والتقدم  والعلم)، وهل انطفأت شمس العراق وانكشفت ؟؟ وبما أن الشرق والعالم الثالث وخاصة ( البلاد العربية ) في تخلف فقد انكسفت الشمس ولم تشرق. والمتأمل لهذا العنوان سيجده عنوانًا تقليديًّا مأخوذًا من البيت رقم (١٤)   ( يا كسفةَ الشمسِ التي ما أشرقت .. إلا ليبسم واسع الآفاق ). فالشعراء العرب القدامى لم يضعوا عناوينًا لقصائدهم ، وكذلك مدرسة الإحياء والبعث الكلاسيكية القديمة والحديثة لم تلق بالًا ولا اهتمامًا بالعنوان .. فوضع عناوين للقصائد من إنجازات مدرسة الديوان  والمدرسة الرومانسية..

وهذا العنوان ( يا كسفة الشمس ) عنوان يوحي بضياع الحضارة العربية ، عنوان فيه خوف على ضياع الأوطان ، عنوان فيه مرار ووجع وأذى ، فالشمس حين تكسف معناها ضياع للحياة وللأحلام ، فلا حياة بدون شمس مشرقة.

ثانيا : غرض ووصف القصيدة :

 القصيدة عمودية كلاسيكية إيحائية تابعة لمدرسة ( البعث والإحياء ) أو ما يسمى بشعر الصنعة ، تسير على نهج القصيدة القديم وعمود الشعر العربي ، فلا تتحدث عن أو تهتم بذات الشاعر الكاتبة المؤثرة ( الفاعلة ) أو تتحدث عن عاطفته الرومانسية المرهفة الجياشة. تتكون وتتألف من ( ١٦ ) بيتَا تقليديا عموديا (صدرا وعجزا ) ، روي قافيتها المطلق ( القاف ) المكسورة ( الموصولة بالياء ) فيصح أن نسميها (القصيدة القافيَّة ) ، تتميز باللفظ الجزل الفخم الرصين النقي خالية من التعقيد اللغوي والتعقيد المعنوي ، تصنف حسب غرضها من ( شعر حب الأوطان الممزوج بالحزن والألم  والفخر ) تتحدث عن العراق ومحنته ، وتصور آلامه وجراحه ومأساته وما آل إليه ، وتتحدث عن حجم المواجهات والتحديات والتضحيات التي يجب أن تدفع حتى يعود العراق لمكانته وازدهاره.. ويحسب للشاعر إدخال ( الأنا والذات ) في النص فعبر بدفقات شعورية متتالية عما يجيش بصدره من عاطفة جياشة جعلته يعتصر ألما ووجعا.

٣-ثالثا شرح القصيدة :

١- يبدأ الشاعر قصيدته بتضمين للشاعر الكبير العراقي/ ( كريم العراقي) الذي جعله شاعرنا رمزا للعراق كلها ورمزا لقصيدته التي بين أيدينا في مطلعها قوله : ( الشمس شمسي والعراق عراقي )، والتي كان يأمل ( كريم العراقي ) أن تكون نشيدا وطنيا للعراق ، وهذا يعني انفتاح النص على النصوص الأخرى ، ويعني حب شاعرنا للشاعر الكبير كريم العراقي ، فالنص ليس مصمتا أو ميتا ملقا به في فضاء فسيح من الكلمات إنما يعج بالمواقف والأحداث - والحق أقول - أن شاعرنا لم يقع تحت وطئة التأثير أو التأثر في قصيدته فهي مصاغة وصافية له ، وهذا يحسب للشاعر ، فيقر ويعترف ويستنكر بأي الحروف ستزدهي أوراقه ؟

 ٢- وبأي قافية سيكتب قصيدته وهو المُعنٌَى والأسير في حب العراق دون رفاقه.

٣-وينادي دمعة العينين الرقراقة كيف يستطيع ردها ومنعها على ما آل أليه العراق ، وينادي ( مرقد الأشراف ) والعتبات والمشاهد والأضرحة المقدسة للأئمة النجباء الأعلام من آل البيت ، ويخبرهم أن جراحهم باقية ٤-والشاعر ينادي باسم العراق كم شاهدا وضحيَّة باسمك قد تعذبوا ؟! وكم ظُلموا !! ومن بينهم الشاعر نفسه شاهد على عصره ، فكم على الموائد أقيمت محافل للصوص والسُّرَّاق سُرَّاق الوطن!!

٥-فتغانموا وتقاسموا وتخاصموا ( ترتيب وتسلسل عقلي ومنطقي للأحداث )، وهذا ابن الأكارم ( الوطني الحر الحقيقي المحب لبلده العراق ومنهم شاعرنا ) مثخن بالجراح يعاني من القبد والوثاق وربما في غياهب السجون في الظلام الدامس عاش الأحرار دون شمس الحرية. ٦- هؤلاء جميعا جمَّعتهُم خصالهم الدنيئة المذمومة المشؤومة فتناكحوا وتناسلوا مثل الديدان على أوراق الشجر. ٧- فكم تجبروا وطغوا وظلموا  !! مثلهم كالطوفان لا يبقي ولا يذر، ويغرق كل من أمامه ولا يستطيع أن يوقفه أو يرجعه أحد ، وهذه هي نهاية أزمة ومحنة عدم وجود الأخلاق في وطن شريف ضاع بين السفهاء . ٨-فهذا الدهر كعادته يقسو علينا بأيامه السوداء كلما تعاقب الليل والنهار فنضيع بين مودع جبان هارب من الوطن الأم تاركا العراق بلده لأي بلد آخر فيه أمن واستقرار، وبين ( مُلاقٍ ) لنا فقير (بإملاق) مثلنا يعاني مما نعاني منهو، أو صاحب مراء فاسد الطوية صاحب مال وسلاح يذلنا ويضيع وطننا منا نحن الأحرار .  ٩-ويسائل الشاعر وطنه الطاهر ترابه وثراه هل هؤلاء ( الخونة ) أوصلوك ( لمحجة الإزهاق ) حتى صرت لا تطيق العيش معهم من الزهق والربق والسأم والملل والشأم.

١٠-وحتى رضيت ووافقت بما أصابك من أذى وبلى وتهلهل وتشتت وتمزق وتفرق ولعبت دور (نطيحة) بسباق كنقر الديوك ، ونطح الخراف والنعاج والبهائم وتخليت عن الهداية والرشد والرشاد والحكمة والعقل.

١١-ويتسائل الشاعر من يحصد كل هاتيك الآلام التي حان قطافها وجاء موعد حصادها ؟؟ متمثلا قول الحجاج بن يوسف الثقفي في خطبته البتراء : ( مالي أرى رؤوسا أينعت قد حان قطافها )، ويتسائل الشاعر مستخدما الاستفهام التقريري من يكتوي ويحرق  ويلعب ويعذب بنار وجمر الفراق غير الشاعرالمحب ١٢-فهذا الوطن العملاق منذ فارقه السادة العظماء الفوارس الشرفاء الأشاوس الجهابذة النجباء واستشهدوا ، ورحلوا وراحوا ضحية الوطن قد ورثنا عنهم وأورثونا الدموع و( حرقة الأحداق ). 

 ١٣-ويعترف الشاعر ويقول : إنه لم يزل يغرس في تراب الوطن الحر المقدس نباته وجريرته وخطيآته المتكررة وينفرد بصدق العشق للوطن برغم تزاحم العشاق الصادق منهم والمدعي الأفاق الكذاب.

 ١٤- وفي البي الرابع عشر الذي اقتبس منه الشاعر عنوان القصيدة ينادي الشاعر كسفة الشمس برغم كسوفها والتي لم تشرق بعد وما زالت في الغروب حتى يبسم ويسعد ( واسع الآفاق ) كناية عن الظالمين للأوطان .. ١٥- ويخاطب  الشاعر في هذا البيت وطنه أنه نذر دمه وماله ونفسه وروحه وكل ما يملك من أعضاء وجوارح وهو يمني النفس ويسوِّفُها ويحاول أن يقنعها أن وطنه الضائع سيعود ويقابله بالأشواق و( طول العناق ).

١٦- ويختم قصيدته بهذا العناق الطويل  لتراب  الوطن على أي حال كان فيه فهذا الثرى يفوح مسكًا وعنبرًا وكأنه الدواء الشافي والبلسم المعافي لكل أوجاعنا وجراحنا ومرارنا وتخلفنا عن الركب بنكهة الحرية المسؤولة المنبعثة من ذات الله لنا فلبارك الله وطننا الأغر ...

٤-رابعا الموسيقا في النص :

تنقسم إلى قسمين ( داخلية وخارجية )

١- الموسيقا الخارجية الظاهرة الجلية وتتمثل في أربعة  ( ٤ ) عناصر : 

( الوزن - القافية - التصريع - الجناس الناقص) كالتالي :

١-الوزن : القصيدة تقليدية عمودية مكتوبة ومصاغة على وزن بحر الكامل  ( متفاعلن ///٥//٥  ) متكررة (٦) ست مرات ثلاثة (٣) في كل شطر ، عروضته تامة ، وضربه مقطوع ( أصابته علة القطع ) حذف الحرف الأخير من التفعيلة ( متفاعلن  ///٥//٥ ) وتسكين ماقبله بحيث تصبح ( متفاعلْ ///٥/٥) وأصاب حشو الأبيات زحاف ( الإضمار ) على استحياء :  والإضمار هو : تسكين الثاني المتحرك من التفعيلة ( ///٥//٥ ) بحيث تصبح الفاصلة الكبرى (///٥) إلى سببين خفيفين (/٥/٥ ) وبالتالي تتحول التفعيلة إلى مستفعلن هكذا ( /٥/٥//٥ )، ولم يستخدم الشاعر في قصيدته زحاف ( الوقص ) وهو حذف الثاني المتحرك من التفعيلة مما ساعد على عدم إسراع التفعيلة وقلل من سرعة البحر حتى يتناسب مع حالة الحزن والشجن التي عليها الشاعر.، وأيضا لم يستخدم الشاعر ( الخزل ) كزحاف مزدوج لتقليل سرعة البحر (الخبل ويسمى ايضا الخزل : هو اجتماع الخبن و الطي  ، " حذف الثاني الساكن، و الرابع الساكن " . مثاله : متفاعلن فتصير متفعلن .

 أو الخرب : هو اجتماع الإضمار والطي، " تسكين الثاني المتحرك ، وحذف الرابع الساكن "  لا يحدث إلا في متفاعلن .

٢-  القافية : جاءت قافية القصيدة بعض كلمة كالتالي : ( راقي - فاقي - باقي - راقي - ثاقي -  راقي - ثاقي - لاقي - هاقي - باقي - راقي - واقي - شاقي - فاقي - ناقي -  باقي ) ، وهذه القافية اسمها ( متواتر ) وهي حرف متحرك بين ساكنين ، وروي القصيدة مطلقة و (مجراها)  القاف الموصولة المتحركة بالكسر ، و( ردفها ) حرف المد الألف الذي يسبق الروي

٣-التصريع : موسيقاه تخص البيت الأول فقط آخر حرف في ( العروض ) يتفق مع آخر حرف في ( الضرب ) وفي حركة الإعراب كالتالي : ( عراقي : وإعرابه خبر مرفوع بالضمة ، أوراقي :  وإعرابه فاعل مرفوع بالضمة ) وسمي المصراع مصراعا كدلفتي الباب اللتين تفتحان في أول بيت في القصيدة في العروض والدرب ،والتصريع يعطي نغمة موسيقية تستريح لها الأذن وتشحذ العقل.

٤- الجناس الناقص : وهو تشابه الكلمات في الحروف مع اختلاف المعاني،ويعطي جرسا تستريح له الأذن ويشد انتباه السامع ويجذب الذهن ويشحذه ويساعد على حفظ القصيدة مثل : 

( أوراقي ، رفاقي ) ، ( وثاق - سراق - سباق ) ، ( ملاق - باق) ، ( الأوراق - الإزهاق ).

٢- الموسيقا الداخلية :

الهادئة الخفية النابعة من انسجام الكلمات بجانب بعضها وتعانق الحروف وتسلسلها وتكرارها  بجانب بعضها أشبه ما يكون كالظلال والأوراق والفروع في شجر القصيدة مما يعطي سيمفونية توقيع من الهارموني والتناسق والتناغم والتدفق والتلاحم بين الكلمات والألفاظ والترادف والمعاني وكأن الكلمات والجمل والعبارات تتآلف فترقص معا على إيقاع مرتب خفي ومتوازن يسهل من حفظ القصيدة في مخيلة المتلقي ،

ويظهر ذلك على سبيل المثال لا الحصر في تكرار حروف معينة في الكلمات مثل :  ١- تكرار الضمير واو الجماعة الفاعل في آخر الكلمات  الآتية :  ( فتغانموا - تقاسموا - تخاصموا -  فتناسلوا - طغوا - غادروا اورثونا ) ٢- تكرار التاء المربوطة في آخر الكلمات : ( نكهة - كسفة - دمعة -  محنة - حرقة - قافية - ضحية -  محجة - نطيحة - نهاية ). ٣-- تكرار حروف المد واللين والعلة، و مثال الألف اللينة  : ( ثرى - نرى - بلى ) ، ومثال ألف المد ( أنا - أردها - ناديت - شاهد - سراق : أشراف - موائد - حال - سباق - الآلام - طوفان - قطافها -  أورثونا -  أكارم - أسائل - ثراك - نهاية أصابك - مازال - ترابه - تزاحم - واسع - خصالهم ) ، ومثال الواو ( يفوح - أصوغ - أوصلوك - طول -  الدود -  يقسو -  طوفان - الطهور )،

ومثال تكرار حرف الياء في  الكلمات الأتية : ( شمسي - عراقي - تزدهي - أوراقي -  رفاقي - جوارحي - يكتوي - قصيدتي - خطيئتي - دمي -  غيري - مني - التي - أمنِّي - 

تضيع - رضيت - نطيحة ).

فتضافرت الموسيقا الداخلية مع الموسيقا الخارجية وهذا يحسب للشاعر.

٥-خامسا الأساليب في القصيدة : ( تنقسم إلي خبرية وإنشائية )

١- أولا الأساليب الخبرية : والتي تفيد التوكيد والتقرير من مثل ١- ( الشمس شمسي والعراق عراقي ) تكرار يفيد التوكيد ٢- توكيد الجمل الفعلية باستخدام أداة التوكيد ( قد ) ومثالها : ( قد أورثونا - قد نذرت )

٣- أسلوب القصر باستخدام أداة النفي ( ما ) وأداة الاستثناء ( إلا ) ومثالها ( ما أشرقت إلا ليبسم واسع الآفاق ) ٤- أسلوب قصر أداته التقديم والتأخير فقد قدم الجر والمجرور ( خبر مقدم ) على المبتدأ المؤخر في قوله :  (على الموائد محفل السراق ) ،  ( لله در فوارس ) فقد قدم الخبر المقدم الجر والمجرور ( لله) وجوبا على المبتدأ النكرة. ( فوارس ) ؛ وذلك للترتيب والتخصيص والأهمية.  

ه-أسلوب الفخر والاعتزاز باستخدام ضمير المتكلم ( أنا ) ومثاله : ( وأنا أمني النفس - وأنا المُعنَّى ) ، وللتحقير باستخدام اسم الإشارة ( أولاء جمعهم دنيء)

 -( التعبيرات العملاقة )-

ومن التعبيرات العملاقة القوية في القصيدة التي اعتمدت على علوم علم البيان من التشبيه التمثيلي قول الشاعر : ( كما الطوفان -  فتناسلوا  كالدود ) ، ومن الاستعارات : ( محفل السراق -  كسفة الشمس - حرقة الأحداق - جمر فراق - محنة الأخلاق -  محجة الإزهاق - نكهة الترياق - أغرس خطيئتي - نذرت دمي - مسكا يفوح - أُمنِّي النفس -  يقسو الدهر ) ، ومن المجازات : ( أسائل الوطن الطهور - دمعة العينين ) ، ومن الكنايات ( ليبسم واسع الآفاق - ابن الأكارم مثخن بوثاق ) ومن العبارات التي فيها مقابلة أو مطابقة وتضاد ( مودع × ملاق ) ، ( واسع الآفاق × دنيء خصالهم ) ، ومن العبارات التي فيها تسلسل عقلي ومنطقي : ( فتغانموا وتقاسموا وتخاصموا ) فالغنيمة تحدث أولا ثم يعقبها تقاسمها ليحصل كل واحد على نصيبه ثم يحدث الظلم والتغابن والتخاصم إذا جار أحد على حق أحد في تقسيم الغنيمة.

٢-ثانيا الأساليب الإنشائية :

وتجلت في الاستفهام  والنداء ،ومن أساليب الاستفهام التي تفيد النفي والإنكار والتوبيخ : ( فبأي حرف تزدهي أوراقي ؟ وبأي قافية أصوغ قصيدتي ؟) ، ومن  أساليب الاستفهام  التي تدل على التعجب والدهشة ( كيف أردها ؟! - في أي حال كنت ومازال الثرى مسكا ؟! ) ، ومن أساليب الاستفهام التفسيرية التي تفيد التقرير ( من يحصد الآلام ؟؟ 

 من سيرده؟؟

هل أوصلوك محجة الإزهاق ؟؟)

ومن أساليب الاستفهام التي تفيد النفي ( من يكتوي غيري ؟؟ )، ومن أساليب النداء  التي تفيد التنبيه على الحزن العميق ( يا دمعة العينين - يا كسفة الشمس )  ومن أساليب النداء التي تفيد التعظيم : ( يا مرقد الإشراف )..

وبهذا يتضح كثرة الأساليب الخبرية إذا قورنت بالأساليب الإنشائية ، تلك الغلبة وذلك التنوع أثرى القصيدة ، وذلك يحسب للشاعر .

٦-سادسا الأفعال في النص :

 لم يوجد في القصيدة أي فعل أمر مما يوحي بسوية طوية الشاعر وتواضعه وعدم تكبره فهو لا يأمر ولا ينهي ولا يتجبر وفيه من الرقة والوداعة والسلام الكثير والكثير من الصفات الحميدة ، و كذلك تقاربت أفعال الماضي في القصيدة ( ١٦ ) ستة عشر فعلا من أفعال المضارع  ( ١٧ ) سبعة عشر فعلًا وبيان ذلك كالتالي : ١- الأفعال الماضية : ( ناديت - تغانموا - تقاسموا - تخاصموا - أصابك - طغوا -  تناسلوا -  رضيت - لعبت - حان - غادروا - أورثونا - جمَّعهم  -أشرقت - نذرت - كنت ).

٢- أفعال المضارع : ( تزدهي - أصوغ -  أردها - سيرده - نرى - يقسو -  أومنِّي - نضيع -  أسائل - أوصلوك - يكتوي -  مازال ؛ يحصد - مازلت - أغرس - يبتسم - يفوح ). وعليه تكون نسبة الأفعال في القصيدة ( المضارع١٧ ،الماضي١٦ ، الأمر صفر )، وهذا التقارب والتنوع بين الماضي والمضارع أثرى القصيدة ، وجعل الوطن ( العراق ) يعيش في الحاضر برغم الجراح وكذلك لم ينس الشاعر ماضي العراق العريق التليد  ، فقد تقاربت الكفة بين الماضي والمضارع.لعل هموم الحاضر في انزياح.

٧-سابعا الصورة الكلية للقصيدة : ( الخيال الكلي واللوحة الفنية )

هذه القصيدة استطاع الشاعر أن ينقلها من مجرد ألفاظ وكلمات وجمل وعبارات إلى لوحة فنية زيتية وصورة جدارية تعلق على الحائط في أبهي زينة فيها : الشاعر ابن الأكارم المثخن بالجراح المحب لوطنه ( العراقو) العاشق لأيدلوجيته التي تنتمي للنجباء العظماء الأئمة أصحاب ( مراقد الشهداء ) من آل البيت ، و،يصعب عليه الحال الذي وصلت إليه بلاده ( العراق ) من التردي والتخلف بسبب الاستعمار البغيض والتطور اللامتكافيء ؛ مما جعل الشاعر يبذل كل جوارحه ودمائه من أجل تراب بلده الطهور المقدس ، ويأمل أن يفوح بالمسك ويعافى بالترياق من الجراح.

وتتجلى شخوص هذه اللوحة في : ( شاعر شاهد على عصره - قصيدة - ثرى وطن مقدس ضحية - كسوف شمس - أوراق للكتابة - خصوم وأعداء - أوراق شجر يرتع فيها الدود - مسك يفوح - دموع ) ، وتتجلى خيوط اللوحة في : ( صوت ولون وحركة ) ،

ومن الألفاظ التي تدل على الصوت (٨) ثمانية كلمات هي: ( ناديت - قافية - قصيدتي  - النداء يا دمعة - يا مرقد - يا كسفة - أسائل -  تخاصموا ).

ومن الألفاظ التي تدل على الحركة  (٢٢) ثنتان وعشرون كلمة : ( أصوغ - أردها - سيرده - مثخن بوثاق - يكتوي - الدود - أشرقت - أغرس - غادروا - تغانموا - تقاسموا - طغوا - طوفان  - يحصد - يبسم - أصاب - نرى - حدثان - لعبت - سباق - نطيحة - أوصلوك ).

ومن الألفاظ التي تدل على اللون (٧) سبع كلمات : ( تزدهي - الأوراق - ثرى - مسك - شمس - موائد - تراب )، وعليه تكون النسبة كالتالي :  اللون ٧ ،الصوت ٨ ، الحركة٢٢ ).، ويتضح لنا كثرة الكلمات التي توحي بالحركة مما خدم القصيدة وجعل فيها حيوية ونشاط وهذا يحسب للشاعر.

٨-ثامنا خصائص أسلوب الكاتب : ( ظاهرة التكرار ) ينتمي الشاعر في قصيدته التي بين أيدينا للمدرسة الإيحائية ( الكلاسيكية الجديدة ) التي تتسم باللفظ الرصين الفخم الضخم ، وجودة السبك، وشريف المعنى مع الاهتمام بالوزن والقافية، ومع كل ذلك وجدنا ظاهرة التكرار ملفتة للنظر في القصيدة ومنها : 

 تكرار أسلوب الاستفهام (٧) مرات منها بأداة الاستفهام  ( أي ) ثلاث مرات ، و بأداة الاستفهام ( من ) ثلاث مرات، وتكرر ( النداء ) ثلاث مرات، وتكرار الضمير ( أنا ) مرتين ،وتكرار الضمير المتصل (هم ) مرتين في  ( جمعهم -، خصالهم ) ، وتكرار حرف العطف الفاء ( ٣ ) ثلاث مرات ، وتكرار حرف العطف الواو ( ١٥ ) خمس عشرة مرة ، وذلك نابع وصادر من تدفق الدفقات والجرعات الشعورية والمشاعر الوطنية والإنسانية  المنهالة والمنسابة على الشاعر ؛ فرأينا ( واو العطف وفاء الاستئناف ) في بداية صدر الأبيات وفي بداية عجزها وفي الحشو. ، وكذلك تكرار حرف القاف ( ١١ ) إحدى عشرة مرة في معظم كلمات القصيدة ( قافية - قصيدتي - حرقة - العشق - قطافها - أشرقت - عراق - عراقي - مرقد - تقاسموا - يقسو ) بالإضافة لوجود حرف القاف روي القصيدة مكرر ( ١٦ ) ست عشرة مرة مما يوحي بأن تسمي القصيدة ( قصيدة القاف ) ، وهذا الخصيصة من خصائص الشاعر التي ظهرت معنا في هذه النص وأفادت التقرير والتوكيد.

٩- تاسعا الوحدة العضوية  ووحدة الجو النفسي في القصيدة ؟

هل تحققت في النص الوحدة العضوية ؟ الإجابة نعم تحققت ، مع إن النص من حيث الشكل والمضمون ( تراثي إحيائي خليلي موزون مقفى دال على معنى )، ومن حيث الغرض ( حب الوطن والفخر والاعتزاز به ،) والاستماتة في الدفاع عنه من الإيمان   وهو غرض قديم

 إلا أن ( التجديد ) في النص هو ترابط وتلاحم الموضوع ( المضمون ) فالنص كتلة واحدة مترابطة الأجزاء ( الشكل والقالب - المضمون والموضوع - الوزن - القافية - والعاطفة الجياشة ) منذ بداية العنوان حتى نهاية البيت الأخير في القصيدة ، مع أن الشعر العربي القديم قائم على فكرة التعدد ، و( البيت الواحد هو عمود وموضوع ووحدة القصيدة ) ، وهذا معناه أن القصيدة القديمة مفككة يجوز تقديم بيت وتأخير بيت آخر مع تعدد الأغراض ما بين الوقوف على لأطلال والنسيب والتشبيب بالمحبوبة ، ورحلة الظعينة ووصف الرحلة ، والغرض الأساسي من النص ، ثم نهاية القصيدة بأبيات متناثرة أو متفرقة من الحكمة، لكن شاعرنا بمهارة استطاع أن يوحد غرض النص بالموضوع ويرتب الأبيات ترتيبا متسلسلا عقليا من بداية ووسط ونهاية حتى أصبحت القصيدة كتلة متماسكة من وحدة الموضوع ووحدة الجو النفسي ، فالشاعر الجيد يفكر ( بقلبه ) ، ويشعر ( بعقله ) ، ويمزج فكره وموضوعه بوجدانه وعاطفته الجياشة بمفرداته،  وهذا  ما فعله الشاعر إذ استطاع أن يجعل قصيدته كجسم الإنسان كل عضو في مكانه الصحيح المناسب يؤدي دوره المناسب المنوط به ، وهذا يحسب للشاعر.

١٠- ( مآخذ القصيدة ) :

١-  من حيث الشكل : 

١- عدم جود بعض علامات الترقيم  وبالذات ( علامة الاستفهام ) كما حدث في البيت الأول ( مطلع القصيدة )

٢- من حيث المضمون  :

١- الاهتمام بوضع عنوان مناسب للقصيدة ، فالعنوان مقتبس من البيت رقم ( ١٤ ) من القصيدة، والشاعر لم يبذل فيه جهدا إنما اقتبسه اقتباسا من قصيدته. ( فالشعراء العرب القدامى لم يضعوا عناوينًا لقصائدهم) ،

٢- ظاهرة التكرار الممتدة على طول وجسد القصيدة مع إنها تفيد التوكيد ولكنها ( توحي بالفقر اللغوي).

٣- بعض التعبيرات غير الموفقة من مثل :

١- تكرار كلمة ( ثراك - الثرى ) بالترادف مع كلمة ( ترابه )  ؛ مما جعل في النص زيادات في المعنى ، والشعر لغته ( التكثيف والمجاز ) ، ولو حاولنا أن ندافع عن الشاعر لقلنا هذه الألفاظ والزيادات تفيد ( الإطناب بالترادف ) ،

  ٢- يعاب على الشاعر قوله عن وطنه أو شاعره المبجل المتضمن كلامه في النص ( كريم العراقي ) الذي اتخذه الشاعر رمزا لقصيدته أو حتى عن نفسه بلغة السخرية والمفارقة ( ولعبت دور نطيحة بسباق ) ، فالوطن لا يلعب مع أحد والوطن ( ذات الشاعر وحياته ) ليس بنعجة تنطح في سباق.

. ٣- يعاب على الشاعر قوله : ( حتى رضيت بما أصابك من بلى ) ، فهذا التعبير يوحي بالضعف والخذلان والخناعة  والاستسلام والموافقة الضمنية والرضا  ؛ لأن كلمة ( حتى ) تفيد الغاية والهدف ، وعار على العراق وشنار على شاعر العراق أن يستسلم هكذا ...

٤- في البيت السابع قول الشاعر في أسلوب الاستفهام : ( وطغوا كما الطوفان من سيرده ؟ ، والأجمل والأحسن أن يقول الشاعر : ( من سيردهم ؟ ) بصيغة الجمع بدلا من ( من سيرده ؟ ) بصيغة المفرد للطولان، فالكلام عليهم أفضل من الكلام على الطوفان ، والوزن لن ينكسر.في البيت.

٥- يعاب على الشاعر قوله في أسلوب الاستفهام :

 ( من يحصد الآلام حان قطافها ؟ ) ،  فالقطف والجني للثمار والحصد المحصول و الجمع ىلثمار وغيرها ، والصواب أن يقول : ( من يحصد الآلام حان جماعها )  أو يقول : ( من يقطف الآلام حان جماعها ) ، أو يقول : ( من يخدش الثمار حان قطافها ) ، لكان أجمل ولم ينكسر الوزن ، فالحصد غير  الجني ،والقطف  والجمع للثمار  والحصاد المحصول , ويظهر هنا تأثر الشاعر بالحجاج بن يوسف الثقفي في خطبته البتراء في قوله : ( مالي أرى رؤوسًا قد أينعت وحان قطافها )

. ٦- يعاب على الشاعر قوله عن وطنه : ( مازلت أغرس فيك خطيئتي في العشق ) وتراب الوطن مقدس بنص قول الشاعر : ( أسائل الوطن الطهور ترابه ) ، ويحق لنا أن نتسائل لماذا يضع الشاعر خطيئته بالعشق ويغرسها في أرض الوطن ؟ هل حب الوطن خطيئة ؟ هل غرس العشق في ثرى الوطن خطيئة ؟؟ هل يفعل الشاعر مثل الآخرين وينافسهم لي خطيئة حب وعشق الوطن ؟؟ استحالة أن يكون عشق الوطن خطئئة ، وثران مسكًا باعتراف قول الشاعر حين أنهي قصيدته قائلا ( ومازال الثرى مسكا يفوح بنكهة الترياق  ) فلماذا الخطيئة والدواء والترياق موجود ؟؟

ملحوظة مهمة :

يجب الدفاع عن الشاعر في القافية لأنه كرر كلمة ( الأوراق ) قبل ( ٧ ) سبعة أبيات من القصيدة ، فتكررت الكلمة في قافية البيت الأول ( تزدهي أوراقي ) وفي البيت السادس  ( كالدود في الأوراق ) بقولنا الكلمتان مختلفتان ، فالأوراق في البيت الأول ( أوراق الكتابة ) ، والأوراق في البيت  السادس ( أوراق الشجر ) ، وىحق لنا أيضا أن ندافع عن الشاعر في قوله : ( محجة الإزهاق ) بقولنا إن ما يقصده الشاعر من هذا التعبير هو ( زهق : بمعنى اضمحل وتلاشى فنقول : ( زهق الباطل إن الباطل كان زهوقا ) أي متلاشيًّا، ونقول ( أزهق النفس : أماتها أو قتلها ) ، وليس المعنى  من ( الزهق والسأم والضجر )، فالشاعر موفق في هذا التعبير ..

 وفي النهاية أثرى الشاعر محفلنا وحققت قصيدته النجاح.

 .......................  .....................

 د / معروف صلاح أحمد

شاعر الفردوس ، القاهرة ، مصر .

توثيق: وفاء بدارنة 



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق