الخميس، 21 يوليو 2022


***   قراءة نقدية. *** 

رابطة حلم القلم العربي 

***  قراءة نقدية  ***

بقلم الناقد المبدع: الجيلالي شراح 

***  قراءة نقدية.  ***

 في ديوان: " شاعر في بطن الحوت 

" لصاحبه الشاعر بوزيان حجوط من المملكة المغربية

إنجاز : الجيلالي شراح 

     -----------------

إننا و إن نحن قرأنا عنوان الديوان قراءة عابرة، فإنه يشد بصرك إليه لإعادة قراءة ثانية من خلال الرنين الذي يحدثه على الأذن و النفس، محيلا إلى مرجعيات ثقافية، دينية و اجتماعية، مخلخلا في نفس الوقت بنية الذات- الشخصانية و المواقف و الأمكنة، فالذات الشاعرة من خلال العنوان القفل - المفتاح في ذات الآن سيجت نفسها و جعلت لها طوقا، و غدت تبحث لها عن السبل لفك هذا الطوق، و تخط هذا السياج.

يطالعنا الشاعر في مستهل ديوانه بقصائد هوية؛ " قصيدتي" ، " محاكم تفتيش شعرية؟! " تكتبني القصيدة "، فالقصيدتان الأخيرتان بمثابة بطاقتين تعريفيتين للذات الشاعرة، يلجأ من خلالها الشاعر إلى الاعلان أو الادعاء عن انغماس قلبه في حب القصيدة، و انغماس الأخيرة في حبه، لدرجة توحد و انصهار الذات الشاعرة في ذات القصيدة:

"في صدري

كانت تنام القصيدة

في قلبي، كانت تتنفس القصيدة"

ص: 10 من الديوان

ثم يعود الشاعر ليسترسل في القول متحدثا باسم القصيدة:

قالت" اغترف مني ماتشاء"

لنبدإ الآن

غصت و اختفينا

ذبت فيها"

ص: 11 من الديوان

وسواء كان هذا إعلانا أو ادعاء، فهو إعلام بعلاقة حميمية تجمع بين قلب محترق بلهيب الشعر، قلب الذات الشاعرة، و قلب ثان لذات هي " ذات " القصيدة، و هو كشف من الشاعر لعلاقة مدهشة بين ذات لحمية، و أخرى ورقية، تتصف هي الأخرى بصفات كالحنان و العطف و الضحك و الكلام، كقول الشاعر: 

"تقبلني في حنان

ود عينيها يناديني

جلست تضحك بقربي

في دلال"

ص: 11 من الديوان

بعد هذا التعريف الشاعري لذات الشاعر، نعود إلى المرجعية المركبة التي فرضت نفسها على ديوان الشاعر، فهي مرجعية تجمع بين ما هو ثقافي وديني و تاريخي، و هو الذي يتبين من خلال الإحالة إلى القصص القرآني بسرد أحداث عاشها أنبياء سبقوا محمدا عليه الصلاة و السلام، قصد تثبيت الرسول الكريم وشد أزره و مواساة منه سبحانه و تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم، على الضغائن و الأحقاد التي كان يلاقيها من قبل الكفار. الأمر الذي يجعلنا نتساءل عن الهدف من اعتماد الشاعر لهذه المرجعية الدينية؟ فهل كان ذلك لشد أزر العديد من الشباب المثقف أمثاله الذين يعانون العراقيل و الموانع في سبلهم الأدبية؟ أم هو تقديم العبر و الحكم مجانا من قبل شاعر دون سابق إنذار؟ أم هو أثر ثقافي ترك أثره بارزا في ذاكرة الشاعر؟

فمن خلال الديوان نجد الشاعر لجأ برغبة أو بغير رغبة منه إلى التناص القرآني، حيث الإحالة إلى مجموعة من من القصص التي ورد ذكرها بالقرآن الكريم، كقصة نبي الله أيوب، ذلك من عنوان الديوان، إضافة إلى قصة نبي الله يوسف في قصيدة" ذهول السقطة" ص: 15 من الديوان، بالإشارة إلى الجب، و ذهول يوسف و القوافل التي مرت به، مع إحالة أخرى في قصيدة" كلمات سابحة" ص: 36 ، بالإشارة إلى قصة نبي الله نوح، من خلال دلالات لفظية: " أين المفر - الطوفان" و إلى قصة نبي الله موسى مع قومه، بدلالة لفظية: " تسر الناظرين" ص: 45 من الديوان.

هكذا إذن يتبين أن التناص القرآني غطى مساحات كبيرة في هذا الديوان الشعري، فمرجعيته مركبة فرضت و تفرض ذاتها على الشاعر، كما نجده يستحضر بعض الأساطير و الملاحم العربية استحضارا، قصد بعث موضوع القومية العربية و إذكائه في النفوس، و هو موضوع تناولته الأقلام، فكانت هذه الابداعات مغرقة في الأسف على المجد الضائع، و إلى الفشل و الطموح:

" أمة تستقيل من الحضارة

وعنترة العبسي غاضبا

وقد كسر سيفه

وسراب مجد أمة

على قارعة الطريق...

رأيت كعراف مصائب شتى

وهزائم لا تحصى"

ص: 17-18 من الديوان

كما نجد الشاعر من خلال ديوانه يشير إلى مواضيع  تخالج ذاته، و من خلالها الذات الإنسانية عامة، و هي مواضيع متفرقة في مجالاتها؛ عاطفية و اجتماعية و سياسية، إلا أن الطاغي عليها عاطفي؛ لعل ذلك يعود إلى كون هذا الديوان هو عصارة بوح لمراحل عمرية مختلفة في حياة الشاعر، كقصيدة" لم" و " من تجرؤ ؟" إضافة إلى قصائد أخرى تتخذ نفس الموضوع غاية لها.

أما و إن كان الشاعر رصع ديوانه بعنوان قفل، فإنه لجأ في ختامه إلى حل هذا القفل، حيث صار عنوانه عنوانا لقصيدة منه، إذ فيها لجأ إلى البوح الصارخ، و التحدي لكل الأغلال و المعيقات التي تقف حجر عثرة في سبيل قلبه المتيم بحب القصيدة؛ حيث جابه و ناضل من أجل إثبات الذات بعزيمة و إصرار قويين، فالذات الشاعرة عانت ما لذ لها و طاب بفعل صراعها العميق مع المكان الذي لم يهيئ لها سبل البروز، و بالرغم من ذلك، تمكن الشاعر و بأنفة من رسم حدوده الشعرية على خريطة الشعر

أما على مستوى الإرسالية، نجد الشاعر يساير نسقية ممنهجة قصد تبليغ الخطاب، فجاءت صورةج لخليط من البوح و الاعلان عن الصعاب وتحديدها، فنجده مرة يبوح و يصرخ، و أخرى يستنجد، و أحيانا يطمئن ذاته و يسليها، أو يحملها ما لم تطقه، متلاعبا في هذا السياق بعامل الزمن، حيث يعيش حاضره و يستخضر ماضيه، مستشرفا آفاق المستقبل، و لقد ورد هذا التسلسل الزمني في الديوان كما يلي:

" أحمل شعري جنينا في قلبي

فتشوا قبري

فتشوا قلبي

ختموا بالشمع الأسود...قلبي

سأعيش تجربة وفاتي

سأسبح ضد التيار وحدي"

ص: 123-124-125 من الديوان

من خلال هذه المتواليات  تتبين لنا تصريحات الشاعر و إعلاناته، من خلال اللجوء إلى محاورة و مخاطبة الذات بانفعال و توتر، معلنا عدم تخليه عن مغازلة الشعر: " لن أستقيل و عشقي للشعر" ص:123 

معلنا في ذات الوقت عدم رضوخه لإكراهات المكان: 

لم أرضخ، و استفحل داء الشعر في دمي " ص: 126 

وفي ذات السياق، نجد الشاعر يهمس تارة، و أخرى يجهر ، بتكرار حروف همسية كالسين و الشين، و جهرية كالطاء و القاف، و هي المزاوجة بين الجهر و الهمس، دليل على التوتر و الانفعال الداخلي مع الذات في سياق مجابهتها لاكراهات المكان التي لم ترض الشاعر، ولم يرض  عنها، لذلك كان ضروريا فرض المجابهة بين ذات الشاعر و المكان، قصد التحدي و إثبات الذات./.

الجيلالي شراح _ المملكة المغربية

توثيق : وفاء بدارنة 



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق