الثلاثاء، 12 أبريل 2022


***  تحليل قصيدة غربة الأوتاد الرابع  ***

رابطة حلم القلم العربي 

***  تحليل قصيدة غربة الأوتاد الرائع   ***

بقلم الشاعر المتألق: محمد هالي 

ملحوظة: سأضع كل يوم تحليلا نقديا لجنس ادبي طيلة شهر رمضان في الصفحة 

تحليل قصيدة "غربة الاوتاد"

 لعادل المتني(المقطع الرابع)

بقلم : محمد هالي

كل ما أدركه الآن، أن القصيدة تصفعني، تدغدغ أنسجة ذهني، كلما أتوغل في غابة حروفها لفهم ما وراء المعنى و الصورة، أحاول أن أدرك السيرة الذاتية شعرا، أنقب فيما وراء السطور، يجيبك المعنى عليك أن تستفسر صاحبها: "ماذا تقصد بالعشرين؟"، يجيبك الشعر "زهوة العشرين" و يجيبك الشاعر"كنت في مطلع العشرين من عمري حين عملت عاملا في فندق" تسترشد بالجواب تفهم من خلاله قسوة الشتاء القارس في دفئ بيروت، يوبخك السؤال مرة أخرى: لماذا حضر الشاعر هنا يحمل في جبته كل هذه المتناقضات؟ تجيبني القصيدة تريث في الحكم كوني "أتيتُ حالماً ببعض الموت والحياة والشهوة " تتوقف على كل مفهوم تتذكر أن الشاعر قال لك يوما :"أنا أعمى، لا أومن بالموت"، إذن فهو يؤمن بالحياة، و الحياة تحتاج إلى الشهوة، لكن لماذا يحلم بشيء لا يؤمن به (الموت)؟ ربما أقداره قادته إلى الحمرا "هو أهم الشوارع الاقتصادية والسياحية والثقافية في بيروت، شارع الحمرا رمز تاريخي لبيروت،" كما قال الشاعر، و هذه الأقدار فرضت عليه الموت ضمن الحياة و الشهوة، فأصبحت الموت معادلة ضمنهما، فكان العمل، و الفندق، و الحمرا، و الروشة رموزا للحياة و الشهوة، أما الموت كانت معادلة قبل اللجوء، أتوقف على المقطع الشعري أقرأه أبحث عن تداخل الكلمات و المفاهيم، أجد صوره توحي على أن هناك بشر في هذا القرن يشعرون ببرودة الشتاء، رغم دفئ المدينة، بشر يصرخون من خلال صرخة أحدهم من خلال شعرية السيرة الذاتية، حالة ممكنة، ضمن الممكنات اللجوء السابقة(الفليسطينيون) و الحالية (السوريون)، هذا ما أراد المتني التصريح به في زمن تبدل الأحلام، و تغيرها ضمن هذه الممكنات المتاحة للآتي:

"الشتاء قارس رغم دفء بيروت

أتيتُ حالماً ببعض الموت والحياة والشهوة

تقودني أقداري إلى الحمرا

عاملاُ في أحد فنادقها

مخموراً , بزهوة العشرين"

القصيدة صور لغوية

الذات لا تعبر عن نفسها، أنها جزء من كل، الذات هي موضوع يتجلى، يتنطع من خلال أجزائه، يتقوس من خلال السيرة الذاتية المتنية، يرمي أجزائه وسط المستحيل ليعانق الممكن، يصفعني بلقطاته المخيفة، صورة تصفع صورة، و كل رؤية في هذه الصورة المتحركة أمامي الآن، أرى الموضوع من خلال الذات، المتني يرتب الأسرة، يمسح الحمامات و الرخام، ينفض ثيابه، يتأمل لوحات الجدار، إنه البطل النيتشوي الأقوى في هذا العصر، ضمن هذه الصور أجلس الآن في مكتبي أعانق حاسوبي لأتفرج في فيلمي المفضل، و أتخيل سيرة الذات بالشعر ، هل ستكون بهذا الشكل؟، يجيب المتني: نعم أنا هنا، في الحمرا، أشتغل في أحد فنادقها منذ زمان، و لا أتجاوز سن العشرين، أبلغك بالشعر هويتي، أسراري، و معاناتي، ألخصها لك بما هو متضمن في هذه اللوحة الفنية: إنها لوحة معلقة على جدار يصارع فيها الماتادور "قدرا"على شكل ثور عنيف"، يصرخ أمامي الآن:أنا ذاك الماتادور، أنا ذاك الماتادور، و ما أكثر الماتادورات هنا محمد، أتسمعني، لا أريد سماعك، و لا رأيك، فقط أبلغ لك هويتي شعرا، خذها كما هي، و استعن بها في فضائك الخاص، نعم أنا هنا عامل متواضع في فندق في شارع الحمرا، أحلامي مشتتة أحاول ترتيبها كما أرتب الأسرة من حولي من حين لآخر، و ضمن هذا الترتيب يهرب مني الكلام شعرا، خذه كما هو محمد، خذه كما هو .. أنا مجرد ماتادور، أصارع من أجل البقاء، اقطف هذا المشهد، ارميه حيث أنت:

"أرتّبُ الأسِرّة , وبعض أحلامي الصغيرة

أمسحُ الحمّامات والرخام

وما علق على ثيابي من هموم

أبتسم للوحة معلّقة على جدار

يصارع فيها الماتادور 

قدَراً على شكل ثور عنيف"

أقرأ الحرف و الكلمة و ألتقط الصور، أعود للمخيمات، و أسبح فيما وراءها، يوبخني عادل بقوة، يصفعني حينا و يصرخ حينا، و يعاملني بلطف و بهدوء، و روية حينا آخر: 

" عد إلى ما أرسلته إليك عبر الهواء، ستجد طبيعة العمل، و طبيعة المسكن، و طبيعة الحب، و الشقاء، ستجد كل شيء يغذيك به الشعر ، القصيدة صور، تكفي أن تربط الأحداث، و الوقائع، و تفهم، لا تتعب نفسك، نقب في جذور الكلمات، ستجدني كسوري، مضطر أن يشتغل في شارع الحمرا، و يسكن في مكان يشبه قم (خم) الدجاج، وت"خرجتُ من باب معهد الفنون الجميلة في الروشة"، معاناة السوريين ستجدها في تقريري الشعري المتواضع، ستجدها مختصرة، لا وقت للإطناب محمد، لا وقت للكلام الظروف صعبة، و مضنية، سترى السوريين رمز الحضارة العربية في أمكنة الذل هذه، يشكرون الاحتضان اللبناني، و يتعايشون مع الواقع كما هو، و يلجئون لطرق شتى من أجل جني لقمة العيش، من أجل الحفاظ على وجودهم فوق هذا الكوكب، ذهبت سوريا محمد، و هذه صور أقدمها من واقع الشتات في لبنان،التقطها حرفا، و كلمة، و جملا، لتصل لمن يريد أن يرى، و يتصور سوريا في لبنان، سوريا في كل بقاع العالم:

"في شارع الحمرا

للفقر نكهة الانسولين

نحن حفاة الأرض 

نفتح صدورنا لبذور الحياة

لكل العابرين"

كُنتُ أنيقاً بما أغدقوا عليّ

من (كوستيم)

وسيماً بما فرضوا عليّ

من حضور

..

تراودني الموظفات

ونسوة خليجيات ..

كيف أعاشر امرأة ترى في الغريب قيلولة بعد الظهر

من خلال المقاطع، أصبحت أرى سوريا في المتني، و المتني خارج سوريا ، فهو لا يبدو كجمل نيتشه، و لا كأسده ، بل طفله، إرادة القوة النيتشوية تتجلى فيه، طفل نيتشوي يتنطع من فوهة الفقر في شارع الحمرا، ماذا تنتظر من الغريب أن يفعل في زمن التحول العربي الغريب، ربيعه يشبه خريفه، و لا تنوع في الفصول، تتماثل كلها، من أجل أن يشقى الإنسان العربي إلى الأبد، يتعب من التمرد، يجد الأسد الحاكم خللا في تمرده، فيقوى الأسد أكثر و يطغى ، يتشبث بالعرش، يهاجم كل الحيوانات الأخرى بقوة جارفة كالعاصفة الهوجاء، يموت البعض فوق الأرض، يفر البعض الآخر طالبا النجاة، و يبقى الأسد في عرينه، ليفترس الأرض،و كل ما فيها، قال عادل"أنا لا أومن بالموت": قلت: "من حقك أن ترفض الموت في الحياة، من حقك أن تشعل الحياة في الموت" و ترسخ القصيدة ثنائية الحياة و الموت عنوة لتصفعنا من جديد:

"في شارع الحمرا

للفقر نكهة الانسولين

نحن حفاة الأرض 

نفتح صدورنا لبذور الحياة

لكل العابرين"

يحاصر الأسد من جديد، يستعين بالخارج ليذبح الداخل، ذئاب العالم تجمعوا هناك، ليشكلوا المؤامرة الجديدة هنا، و تشتعل المعارك لا فرق بين أرنب مسالم و ذئب عنيد، و خروف طيع، كل ما في الأمر:

قال لي المتني:

"أنا ابن الجبل"

قلت:

" الريح تحولت إلى عاصفة قوية نتمنى بأن يصمد أمامها الجبل"

بقلم : محمد هالي

(يتبع)

توثيق  : وفاء بدارنة 



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق